السبت، 14 سبتمبر 2013

بؤس باعث على الدهشة: عن آخر يوم في الباطنة.

أبداً لن يفهم فرحة أنك "خلّصت باطنة" إلا طالب طب بالسنة الخامسة، أو أي مخلوق تجاوز حيّا وعاقلاً تلك المرحلة من عمره.. :))

إلا أن هؤلاء بالتأكيد مرّوا مروراً خاطفاً بتلك التجربة، تجربة "العيّان البروفيشنال" أو ذلك المريض مزمن المرض، الذي يحضر للمستشفيات الجامعية أيام الامتحانات ليؤدّي الطلاب عليه امتحانهم، أمام مقابل مادي مجزٍ من كلّ طالب على حِدَة.

 

الخميس الماضي كانت "حالتي" الأولى (مريضي الأول) في الاختبار عمّ (صابر)، هو كما فهمت "عيّان بروفيشنال" منذ خمسة وعشرين عاماً، مصاب بتليّف كبدي مزمن بلهارسيّ أدّى لتضخّم بالكبد والطحال واستسقاء شديد وغيرها من الأعراض..

أصابني الاندهاش ليس لكونه يتقاضى مقابلاً مادياً على مرضه، البؤس في وطننا يفعل بالبشر أكثر من ذلك، لكن صبره هو على مرضه.. عبارته البائسة –أو المتظاهرة بالبؤس- التي حلّل بها نقوده التي يتقاضاها منّي: معلش يا دكتور بس عشان بنقل دم كتير وكده..

أصابني الاندهاش لكشفه بطنه لي في سرعة ودون مقدار ذرة من حياء فطريّ، لتأوّهه ونظرته المتألمة بينما أتفحّص طحاله المتضخّم وأقيس حجمه، وبينما أطرق على بطنه الكبير بأصابعي محاولاً تحديد مكان السائل. صدقاً، هل عجزه المرضيّ وفقره قد يدفعانه للتحوّل لدمية حيّة متضخّمة الكبد والطحال للتدريس للطلّاب؟ مجرّد أنه يتناول علاجه المعتاد فقط حتى لا يموت ليتمكّن من قبض ثمن مرضه؟

ربما لا يبقى في الذاكرة من السنة الخامسة في الكليّة الكثير، سوى هذا الحال من البؤس الذي يصعب أن يُنْسَى، ويصعب أن يتقبّله سوى بائس آخر قايض إنسانيته بقدرته على التعايش مع بؤس كهذا بصفاء بال.

 

God is An Astronaut – The Last March

 

محمد الوكيل

A.M.Revolution

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق