الأربعاء، 8 يناير 2014

دعونا لا نكونُ هباءً! (عن الشجرة الطيّبة).

إن أرادَ الإنسان، لن ينتهيَ عمره بموته.

لكن كيفَ يخلد؟ الآن قد يبدو الخلود –ولو في الأذهان والكتب- فكرة ممتعة. أن تبقى مذكوراً بعد فناء جسدك. بالتأكيد هي متعة وإلا لما كان هناك من يتمنون أن يُذْكَروا ولو باللّعن.

 

الحقيقة أنني مسلم وأحمد الله على ذلك وأسأله أن أكون أهلاً للأمانة. يحتّم عليّ هذا أن لا أكون سلبياً ما استطعت.. بشكل خاص جدّاً تجاه كل ما أصاب ديننا، وثورتنا، والأرواح المُزْهَقة والحيّة اليائسة منها. يحتّم عليّ كذلك أن أجد في ما علمتُ عن ديني إرشاداً، إشارة من الله ترشدني لما قد أستطيع أن أفعل.

شاهدتُ مقطع فيديو كان فيه شحّاذ أعمى يتسوّل بلافتة كُتِب عليها (ساعدني فأنا أعمى)، حين قرأت امرأة عابرة ما تلك العبارة بادرت بتعديلها.. وسرعان ما انهالت الأموال على الشحاذ المندهش. حين عادت المرأة إليه في نهاية اليوم سألها: ماذا فعلتِ؟ فقالت: نفس الشيء، لكن بكلمات مختلفة. كانت الكلمات هي: (هذا اليوم جميل، لكني لا أستطيع رؤيته).

استمعتُ لشخص مقرّب يناقشني في أن حتى رفاهية الموت –بالنسبة لنا كشباب يؤمن بالعدل والحق- لم تعد متاحة، لأننا صرنا ذاكرة حيّة لما رأينا في السنوات الثلاث/الأربع الماضية. قلتُ بأننا لسنا ببعيدين عن الموت والزوال، وأن كلماتنا وتوثيقنا لكل ما نعيش هو أبقى وأكثر دواماً. دعمت كلماتي ببعض الذِكر الحكيم: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) ) .

 

حينها وُلِدَت الفكرة.

 

ما هي الكلمة الطيبة؟ هي كُلّ شيء طيب. هي كل قول يشرح الصدر ويطيب البال، هي كل كلمة حق وهي كل حفظ للحقوق وإقامة لميزان العدل وحفظٍ متين للدين. هي المنهج. هي الحقّ. هي الذاكرة والكلمات التي تحفظها وكل شيء ينقذ المنهج والتاريخ من النسيان.

الكلمة الطيبة (أصلها ثابت). أصلها وبدايتها وهدفها أقوياء ثابتون، أصلها الحقّ وكلمة الحقّ وكلمة العدل، أصلها منهج إلهي مُبَارك، فمن أين لها ضعف وزوال؟

ثم إنها (تؤتي أُكُلها) طالما وُجِدَت وخَلُدَت، دائماً مثمرة لا ينقطع خيرها ولا تزول أبداً، تظل تعطي وتثمر وتنطلق في كل أذن وعقل ما شاء الله لها أن تبقى.. (كُلَّ حين)، كل يوم وكل ساعة، لا تكاد تنقطع ولا تكاد تُنْسى، هي دائماً هناك لمن يريدها وهي كالجبال راسخة لا يضرّها فأس قاطع ولا عاصفة من رياح.

 

وهكذا ضُرِبَ لنا مَثَلٌ.. فلنستمع له إذاً.

دعونا ننتقِ كلماتنا، دعونا "نحاول" تغيير العالم بكلماتنا وإن مِتنا على الطريق. دعونا لا نختفي من الحياة دون آثار أقدام، الزوال حتميّ لكن البقاء والخلود اختيار. الحَقّ سيخلد بنا أو بدوننا، فلنكن نحن خالدين به، ولنكتب وندوّن. إن كُنّا إلى زوال فلندع كلماتنا تحمل أرواحنا وتاريخنا وما مضى من حياتنا: عِبْرةً أو عِظَة، فربما يكون حظّ القادمين فيما بعد من الفِهْم والقدرة على التعلّم والاعتبار، أكبر..

 

دعونا لا نكون هباءً. أرجوكم.

 

 

محمد الوكيل

A.M.Revolution

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق